موضوعات إسلامية - موضوعات مختصرة - الدرس ( 23): درس عن الزكاة1
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-02-15
الرحمن الرحيم
رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، أخٌ كريم طلبَ مِنَّي أنْ أتحدَّث عن موضوع الزَّكاة ومعه الحقُّ في ذلك، فوَقْتُ الزَّكاة في رمضان.
الله جلَّ جلاله يقول في القرآن الكريم:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾
[سورة التوبة]
هذه الآية أصْلٌ في فرْضِيَّة الزَّكاة، كلمة خُذ، فالله سبحانه وتعالى لم يقل: يا أيها الذين آمنوا ادْفَعوا الزَّكاة، لماذا ؟ لأنَّ الزكاة تُؤْخذُ ولا تُعْطى وتُفْترَضُ، ولأنّ الزَّكاة يتعلَّقُ بها مصيرُ الأُمَّة، وسلامةُ مُجْتمع، ولأنَّ خُطورتها تصِلُ إلى مجموع الأمّة، لذا تُفْترضُ ولا تُسْتَجدى، وتؤْخَذُ ولا تُعْطى، فالنبي عليه الصلاة والسلام خوطِبَ لا على أنَّهُ نبِيُّ هذه الأُمَّة بل على أنَّهُ وَلِيُّ أمْر المسلمين، أما مِن أموالهم، فَمِنْ تُفيدُ التَّبعيض ؛ أيْ خُذْ بعض أموالهم، نسبةٌ ضئيلة جدًّا ؛ اثنان و نصف في المائة، أما أموالهم جاءت جمعا لأن الزكاة تجب في جميع الأموال، ما أنتجته الأرضُ و عُروض التجارة و الصناعة و الركاز ؛ الثروات الباطنية، في الأنعام، الإبل و البقر و الغنم، في العسل و في الفواكه و الثمار، كلّ أنواع الأموال تجب فيها الزكاة، البيوت المعدَّة للمتاجرة تجب فيها الزكاة، و الدكاكين المعدّة للتجارة، و الأراضي التي تُشترَى لبيعها و نربح ثمنها تجب فيها الزكاة، قال تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾
[سورة التوبة]
أما كلمة " هم " في أموالهم، الزكاة مفروضة على جميع المسلمين من دون استثناء، فلا تُطوَى الزكاةُ عن أحد، أما صدقةً تؤكِّد صدقَ الإنسان مع ربّه، فالعباداتُ التي تتوافق مع النفس قد لا يرقى بها الإنسانُ كثيرا، لكنَّ العبادات التي تتناقض مع الطبع، طبعُك أن تأخذ الأموال و أن تجمع الأموالَ، لكنَّ فرضية الزكاة تعني أن تدفع الأموال، هذه معنى " صدقة " أي تؤكِّد صدقَ إيمانهم، من هنا قال عليه الصلاة و السلام: الصدقة برهان.."
قال تعالى:
﴿ تُطَهِّرُهُمْ﴾
[سورة التوبة]
أي تطهِر الغنيَّ من مرض خطير جدًّا وهو الشُّحُ، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾
[سورة التوبة]
و تطهِّر الفقير من مرض الحقد حينما يرى الفقيرُ نفسَه محروما و إلى جانبه ثريٌّ مُترَف، و الفقير يعمل و الثري لا يعمل، هذا يخلق اضطرابا في النفس و ينشاُ حقدا و ضغينة قد تنتهي إلى اضطرابات في المجتمع، فإذا دفعت زكاةَ مالك حقيقة، تسلّمها الفقراءُ حقيقة عندئذٍ تطهر نفسُ الغنيِّ من الشُّح و الفقير من الحقد و المال نفسُه يطهر من تعلُّق حقِّ الغير به، " و تزكيهم " أي تنميهم، فالإنسان ينمو، إما أن ينمو طولُه أو وزنُه أو أن تنمو نفسُه، بدفع الزكاة تنمو نفسُ الغنيِّ و يشعر أنه إنسان له أيادي بيضاءَ على مجتمعه، و يشعر أنه بماله قد مسح دموعَ البائسين، و بماله آوى الشاردين و أطعم الجائعين، وزوَّج الشباب المؤمنين، وبِماله فتح ميتمًا، يشعر بنُمُوٍّ، وتنمو نفس الفقير حينما يشْعر أنَّ مُجْتَمَعَهُ لم ينْسَهُ، ومُجْتَمَعَهُ يَحْرصُ على سلامَتِهِ، وعلى إطْعامِه وعلى إسْكانِهِ، فالفقير تنْمُو نفْسُهُ، والغَنِي تنْمو نفْسُهُ، والمال ينْمو لأنَّكَ إن وزّعْتَ زكاة مالِكَ رفَعْتَ القوَّة الشِّرائِيَّة عند الفقراء، فإن لم يكن لهم مال ؛ ماذا يفْعلون به ؟ سيَشْترون به عند الأغنياء، فكلُّ غَنِيّ ينفقُ ماله تَروجُ تِجارَتُهُ، وقد ينْمو المال بِطَريقةٍ خاصَّة من العِناية الإلهِيَّة.
أيها الإخوة، هذه مُقَدِّمة، وهناك طُرُق كثيرة لِحِساب الأموال، أكْثَرُها مُتْعِب، وغير واقِعِي، أما الطريقة الوحيدة الواقِعِيَّة أن تَجْرُدَ أموالَكَ بِرَمَضان، وأن تدْفَعَ عليها الزَّكاة، فأسْهَل طريقة وأبْسَطَها أن تجْرُدَ أموالك بأوَّل رمضان، والدُّيون الثابِتَة تَجِبُ فيها الزَّكاة، والدُّيون المَشْكوك فيها تُدْفعُ زكاتُها حينما تُرَدُّ إليك، عن سَنَتِها، وعن التي قبلها، أما الدُّيون المَيِّتَة فهِيَ مَعْفِيَّة، والدُّكان مُعْفى من الزَّكاة، وكذا أدَوات الحِرْفة والبيت مُعْفى والمركبة والأثاث والأرض المزروعة ؛ كلّ هذه مُعْفاة من الزَّكاة، لأنّ هذه الأموال لا تنْمو، أما البِضاعة، والمواد الأولِيَّة فهذه ينبغي أن تُجْرَدَ جرْدًا دقيقًا، وهناك مَن يقول: أنا قدّرْتُ البِضاعة مائة ألف ! هذا غير مقبول، قال تعالى: وفي أموالهم حقٌّ معلوم.." فلا بدّ مِن الجَرْد، فقد تقول: أنا أُضاعِفُ التَّقدير ! نقول لك: هناك آلاف الناس يُسيئون التَّقدير، فالزَّكاة حقّ الله، وحق الفقير، ويجب أن تُجْرَدَ جرْدًا دقيقًا، والله تعالى يقول:
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
[سورة الذاريات]
هذه في الصَّدقات إذن تُجْري جَرْدًا دقيقًا، وتعُدّ الأموال التي في حَوْزَتِك، الدُّيون التي لك تَطْرحُ منها الدُّيون التي عليك، والحاصِل ضَرْب اثنان ونِصف بالمائة وهناك طريقة، وإخوةٌ كُثُر يَفعلونها وهي مُريحة جدًّا، يدْفَع زكاة مالِهِ بِرَمضان، وبِواحِد شوَّال يفْتح حِساب الزَّكاة للعام القادم، وكلَّما عُرِض عليه مَشْروع خَيري ؛ يتيم، أرْملة، فقير، عَمَلِيّة جِراحِيَّة، أو طالب عِلْم ابن السَّبيل يَدْع بِبَساطة، فهذا يَدْفع على مدار العام، بِتُؤدَة وبِتَأنِّي، وفي شوَّال القادم إن دَفَع عشرة وكانت زكاة ماله عشرين دفَعَ فقط عشرة ! فهذا يدْفع الزَّكاة بِراحة، ومع دِراسة مُطوَّلة، ومن دون ضيق، وهذا مَشْروع.
إنسان اشترى شيئًا على المَشاع، ودافِع مَبْلغ، وهذا المَبْلغ سُلْفة، والسُّلْفة عليها زكاة، أما حينما يتحدَّدُ البيت، وسِعْرُهُ، وأمتارُهُ وجِهَتُهُ، طابِقُهُ يُصْبِحُ ثمَنَ البيْت دَيْنًا عليه، وتُعْفى من السُّلَف التي دَفَعْتها في هذا المَشروع ؛ هذا الذي ذَكَرْتُهُ لكم مُتَعَلِّق بالزَّكاة، والزَّكاة تُؤدَّى في رمضان وفي غيره، وهناك من يُقَدِّمها قبل العيد بِيَوم واحِد، الفقير عليه أن يشْتري حاجاته، وطعامِهِ، والإنسان ليس حكيمًا في إنفاق المال يُمْكِن أن تُقدَّم له الزَّكاة عَيْنًا.
لا تنتهي بُطولة الإنسان في إنفاق الزَّكاة، بل في وَضْعِها في المكان المناسب لأنَّ هناك مُتَسوِّلون يُتْقِنون فنَّ التَّسَوُّل، فالذي يأخذ دائِمًا هو الذي يسْأل ولا يسْتحي، والذي يُحْرِجُك، والمَحروم الذي لا يسأل ويسْتحي لأنَّ الذي يسْتَحِقُّ الزكاة يحْسَبُهُ الجاهل غنِيًّا مِن التَّعَفُّف، فالذي ينبغي أن تُعْطِيَهُ المال هو الذي لا يسألُكَ، وتحْسَبُهُ غَنِيًّا، فَوَاجِبُكَ أن تتحرَّى مَن حَوْلك من الأقرباء والجيران والأصدقاء ؛ أنيق ولطيف ونظيف ولكن دَخْلُهُ لا يكْفيه، فهذا ينبغي أن تُغْنِيَهُ عن السُّؤال، أن تُبْقيهِ غَنِيَّ النَّفْس، وليس شَرْطًا أن تُعْلِمَ الذي تُعْطيه المال أنَّ هذه زكاةُ مالي، لك أن تُعْطِيَهُ المال بألْف طريقٍ وطريق، جاءه مولود فَتُعْطيه هَدِيَّةً نفيسة، فهذه نُقطة ؛ تُؤَدَّى عَينًا، وتُؤدَّى نَقْدًا.
الأقْربون أولى بالمعروف، أما هؤلاء الذين تُؤدِّي لهم الزَّكاة يجب أن يكونوا أقْرَب نسبًا أو إيمانًا أو فقْرًا، وكلَّما تساويا في شرْط تُحرِّك الشَّرْط الثاني، تساوَيا في الفقْر حرِّك شرْط النَّسَب، وإن تساوَيَا في الفقْر والنَّسَب حرِّك شرْط الإيمان.
هذا أيُّهاالإخوة عن الزَّكاة، ومَن أدَّى زكاة مالهِ أذْهَبَ الله عنه شرَّ ماله وما تلِفَ مال في برٍّ أو بحْر إلا مِن حَبْس الزَّكاة، وسيِّدُنا أو الدِّرداء قيل له: لقد احْترَقَ دُكَّانُك ! فقال: لا، فلمَّا ذَهبوا وجدوا الحال كما قال فرجعوا وبشَّروه ! أنت حينما تُزَكِّي مالك تَجعلُ الله ضامِن لِمَالِك.
وزكاة الفِطر تَجِبُ على كلّ مسلم ؛ حُرِّ أم عبْد، غَنِيٍّ أو فقير، صغيرٍ أم كبير، ذَكَر أم أنثى، لماذا الفقير ؟ قالوا: لِيَذوق مرَّةً في العام طَعْم الإنفاق، والذي يدْفَعُ زكاة الفِطر مَسْموحٌ له أخْذ زكاة الفِطْر، شَرط أن لا يتَّفِق اثنان !
و
رب العالمين