هاني الشيخ جمعة سهل (*)
الرحمن الرحيم
سبع سنوات هي عمر موقع الفيس بوك ، الشبكة الاجتماعية الأولى على مستوى العالم ، والتي أسسها الشاب الأمريكي اليهودي مارك زوكربيرج عام 2004م حيث كانت مشروع تخرجه في جامعة هارفارد ، وهو مع صغر سنه (من مواليد 1984م) إلا أنه استطاع خلال هذه السنوات القليلة جذب أكثر من 800 مليون مشترك حتى الآن من جميع أنحاء العالم .
يسمح الفيس بوك للمشتركين فيه بالتعريف بأنفسهم من خلال صفحة شخصية لكل مشترك ، يضع فيها صوره وسيرته وعلاقاته الاجتماعية وأهم أفكاره واهتماماته بكل أنواعها ، كما يسمح للمشتركين فيه بتبادل الكلمات والصور ومقاطع الفيديو مع أصدقائهم ويتيح بعض الخصائص لزيادة التواصل ؛ كالمحادثات المباشرة المكتوبة والمرئية ، وتبادل الرسائل ، وإنشاء المجموعات الاجتماعية ، والألعاب الجماعية ، كما يتيح لهم إمكانية إبلاغ أصدقائهم بأماكنهم وما يقومون به من أعمال في الوقت الحالي ، وهذا ما يفسر لنا إدمان الكثيرين على المكوث فيه لساعات طويلة ؛ حيث يعتبر الفيس بوك مجتمعاً مصغراً مفعماً بالعلاقات والتواصل ، ممثلاً بذلك أبرز معاني العولمة في العصر الحديث .
مشكلة الفيس بوك أنه مجتمع لا رقيب عليه إلا الله ، فلا رجال أمن ، ولا هيئات ، ولا وزارات ، ولا سجون ، بل حتى الرقابة الالكترونية فيه معدومة ، فمن من البشر يستطيع مراقبة ما يفعله 800 مليون شخص كل دقيقة ؟! وبهذا يتاح المجال للمفسدين الذين لا يعتريهم وجل من مراقبة الله لهم ولا يردعهم دين أو عرف أو حياء أو رجولة .
وهاهنا تظهر للإنسان حقيقة إيمانه عندما تعرض عليه الفتن ولا رقيب إلا الله ، وتتجلى هنا معاني مراقبة الله ، والخوف منه ، والإيمان بالحساب ، والحياء من الله ، وخشية الرحمن بالغيب .
صفات كثيرة يتصف بها موقع الفيس بوك تؤهله ليكون واحداً من أخطر مداخل الشيطان ، حتى على الصالحين ، ولو رآه الإمام ابن الجوزي رحمه الله لأفرد له فصلاً كاملاً في كتابه (تلبيس إبليس) .
لكن مع هذا يعتبر الفيس بوك فرصة دعوية ثمينة لمن يقدر على تحمل أعبائها ويأمن من عواقبها وتبعاتها ، ومن له علم يقيه من الشبهات ، وإيمان يحفظه من الشهوات ، فمن مميزاته الدعوية :
- أنه لا رقابة عليه ، فلا يستطيع أحد أن يمنع شخصاً من التسجيل فيه مهما كان معتقده ، ولا يستطيع متجبر أو طاغية أن يمنع الناس من الكتابة فيه والدعوة إلى الله تعالى من خلاله ، أو اعتقال الدعاة إلى الله فيه وتعذيبهم .
- ومن مميزاته سهولة الدعوة ، وعدم احتياجها لإمكانيات مادية أو مهارات وقدرات شخصية ، فيمكن لأي شخص أن يدعو إلى الله عن طريق كتابة خاطرة أو نقل فائدة لأحد العلماء ، أو رفع صورة أو مقطع مرئي ، أو التعليق على بعض الكتابات ، فلا يلزم أن يكون الشخص خطيباً مفوهاً ، أو واعظاً مؤثراً ، أو عالماً ربانياً ، أو فقيهاً مجتهداً ، بل تتاح فيه الدعوة إلى الله كل بحسب ما عنده .
- يعتبر الفيس بوك فرصة للقاء كافة فئات المجتمع ، على اختلاف طبقاتهم ، ويتيح لك دعوتهم إلى الله ، خصوصاً بعض المشاهير من إعلاميين وفنانين وممثلين بل وحتى الوزراء ورجال الأعمال وغيرهم ممن يصعب الوصول إليهم على أرض الواقع .
- يوصلك الفيس بوك إلى فئة الشباب التي لا ترتاد المساجد ولا تحضر المحاضرات .
- يقوم الفيس بوك بتصنيف الناس إلى فئات حسب أعمالهم مما يتيح للداعية أن يقوم بدعوة فئة معينة من الناس ، خصوصاً مع توفر نظام (المجموعات) ، فمثلاً يستطيع الداعية أن يوجه خطاباً دعوياً لطلاب المرحلة الثانوية في منطقة بحري فقط ، أو أن يكتب رسالة للأطباء السودانيين الموجودين في الدوحة ، أو أن يطرح مشروعاً خيرياً لتجار الإمارات العربية المتحدة .
أفكار دعوية كثيرة يمكن تطبيقها من خلال الفيس بوك ، لو أجاد الناس استخدامه في الخير ، وما سيبقى لهم بعد مماتهم من حسنات جارية .
ختاماً أيها القارئ الكريم ، إن كنت ممن لم يستخدم الفيس بوك من قبل فلا تغامر ، فإنه بحر عميق ، ما أكثر الغارقين فيه ، كم زلت فيه من أقدام ، وارتكبت فيه من آثام ، فانج بنفسك ، واسأل ربك الثبات ، ولا تقتحم هذا الميدان ، فلعل فيه هلاكك ، ووسائل الدعوة غيره كثيرة وآمنة ، وكما قال بعض السلف : إن الشيطان يفتح للإنسان سبعين باباً من الخير ليوقعه في باب من الشر ، والسلامة لا يعدلها شيء ، وفقني الله وإياك لنصرة دينه ونسأل الله أن يعصمنا من الفتن .