عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي .
جاء في سنن الترمذي برقم ( 2186 ) هذا الحديث بلفظ : ( يأتي على الناس زمان الصابرفيهم على دينه كالقابض على الجمر )
( يأتي على الناس زمان الصابر فيهم ) أي في أهل ذلك الزمان
( على دينه ) أي على حفظ أمر دينه بترك دنياه
( كالقابض ) أي كصبر القابض في الشدةونهاية المحنة
( على الجمر ) الجمرة وهي شعلة من نار
المعنى كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبر لإحراق يده , كذلك المتدين يومئذ لايقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي وانتشار الفسق وضعف الإيمان إلا بصبر شديدوتحمل غلبة المشقة.
وهذا الحديث يقتضي خبرا وإرشادا .
أما الخبر ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخيروأسبابه ، ويكثر الشر وأسبابه ، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقلالقليل ، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة لأنه يأتي عليه من البلايا والمحن والفتن التي تؤذيه وتضره ، كحالة القابض على الجمر ، من شدة ما يصيبه من الآلام والشدائد ومن شدة صبره على دينه وعلى إيمانه وثباته عليه ومن قوةالمعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد ، وفتن الشهواتوانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ، وضعف الإيمان ، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد . فينبغي للعاقل إذا بلي بهذا أن يتصبر، قد يبتلى ممن يمنعه من الصلاة أو يؤذيه إذا صلى، قديبتلى ممن يؤذيه إذا صام فليصبر يصوم ولو سراً .
ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لايصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين ، وأهل الإيمان المتين ، من أفضل الخلق ، وأرفعهمعند الله درجة ، وأعظمهم عنده قدرا . فالقابض على دينه كالقابض على الجمر، فإذا اشتدت الغربة صار العامل يعادل خمسين من الصحابة .
وأما الإرشاد ، فإنه إرشاد لأمته ، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة ، وأن يعرفوا أنه لا بد منها ، وأنمن اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات ، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ، فإن المعونة على قدرالمؤونة
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فإنهما بقي من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، إيمان ضعيف ، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة ، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين ، وأعداء ظاهرون وباطنون ،يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ، وإلحاد وماديات ، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان ، ودعايات إلى فساد الأخلاق.
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا ، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم ، وأكبرهمهم ، ولها يرضون ويغضبون.
ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله ، ولا ييأس من روحالله ، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقتإلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ، ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ،بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ، وأن الفرج مع الكرب .
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " و" حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى . وأنت المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولا قوة إلابالله العلي العظيم " ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة . ويقنعباليسير ، إذا لم يمكن الكثير . وبزوال بعض الشر وتخفيفه ، إذا تعذر غير ذلك : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [ الطلاق : 2 ، 3 ، 4 ]
ويرجع ويتفاءل بحديث صلى الله عليه وسلم : " ليبلغن هذا الأمرما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله -تبارك وتعالى- بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللهفي الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر" رواه أحمد (4/103) عن تميم الداري.
" والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لايخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"رواه البخاري (3416، 6544).عن خباب بن الأرت.وكما قال صلى الله عليه وسلم : ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ،فطوبى للغرباء))وفي رواية أخرى: قيل: يا رسول الله، من الغرباء؟ قال: ((الذي يصلحون إذا فسد الناس))
ولا يكفينا العلم بهذه الاحاديث فحسب بل لابد من العمل يعني ان يكون لنا دور في اعلاء الدين ولو على انفسنا ولو بثباتنا عليه رغم القبض على الجمر!! .. سواء بالدعوة والتربية والنصحالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح لمن أراد الله والدار الآخرة .
وآخر دعوانا أن
رب العالمين