المرأةُ أمٌ بالطبيعة أو بالقوة حسب تعبير الفيلسوف اليوناني "أرسطو" . هي أمٌّ بعطفها وحنانها ومودتها ورحمتها وإحساسها المرهف ومشاعرها الجياشة و...حتى وإن لم تتزوج أو حتى وإن تزوجت ولم تلدْ . المرأة أم حتى وإن لم تحمل ولم تلد أبدا , لأن الأمومةَ صفةٌ موجودة في كل أنثى قبل أن تكون فعلا وممارسة وزواج وحمل وولادة , وهي قادرة على أن تُعبِّـرَ عن الأمومة بحالات وأشكال مختلفة وكثيرة , ومنه فالمرأة تُـحترمُ وتُقدر وتُجل وتُبجل لمجرد أنها امرأة : إنها أمٌّ حتى وإن لم يكن لها زوجٌ وولد . ونحن كمسلمين نتحدث بطبيعة الحال عن المرأة المسلمة ونقول بأن المرأة لها مكانتها ومنزلتها وقدرها وشرفها وعزها و...حتى وإن لم تكن أما , فإذا أصبحت أما حقيقية زاد أجرُها وعظُم فضلُها بإذن الله. إن الرجلَ الذي له أدنى قدرٌ من الدين , والرجل صاحب العقل الصحيح , والرجل صاحب الفطرة السليمة لا يمكن إلا أن يحترم المرأة التي كرمها الله من فوق سبع سماوات والتي أوصانا الإسلام بها خيرا"الله الله في النساء" , وأوصانا الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بها كل الوصية " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" وجعل "الجنة تحت أقدام الأمهات" وقال :"أمك ثم أمك ثم أمك ...ثم أبوك".
قال صاحب كتاب" غرائب وعجائب النساء " السيد نزار التائه :
ا-"رحتُ أبحثُ في الكتب والعقل والقلب والوجدان عن كلمة بعد الله تمتلكني وتنطلق بي وتُسكِرني (السكر الحلال بطبيعة الحال) فأرضى وأطمئن وأزهو , فإذا هي (أمي)". ثم قال:
ب-"قد يستطيع المناضِلُ أو المجاهد أن يقتلَ أكثر من يحبُّ في نفسه , ولكنه أعجزُ من أن يقدرَ على ذلك بالنسبة إلى أمه. وخيالُ وجهِها لا يُفارقُه حتى وهو في لحظات القتالِ الأشدِّ يُقابلُ الموتَ وجها لوجه". ثم يقول أخيرا :
جـ- " إن من تُفلحُ أما لَحَرِيٌّ بها أن تُكرم زوجا وتسموَ أختا وتبر إبنة وتصلح مواطنة". إن الرجلَ الذي يزعمُ أنه يُكرِمُ المرأة يجب عليه أن ينطلق من أن المرأة أم (وإن لم تلد) ومن أن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء والصالحون أوصونا بالأم خيرا , ومنه فإن أراد أن يُكرم المرأة -على اعتبار أنها أمٌّ- فيجب عليه أن يعلم أن هذا الإكرامَ يبقى ناقصا ولا يكملُ إلا بأن يكرمَها كذلك زوجة وأختا وبنتا , ويعمل من أجل إيصالها إلى مرتبة تُصبحُ معها مواطنة صالحة ومدرسة إن أعددتها شعبا طيبَ الأعراق. هذا هو الأصل , وهذا الذي يجب أن يكون من الرجل اتجاه المرأة "الأم" , وكلُّ ما عداه ( من مثل ما قاله لي شخصٌ في يوم ما بأن البشرية لن يستقيم أمرُها إلا بأن تتخلص من النساء كل النساء وبأن يقضي الرجالُ على جميع من في الأرض منهن !!!).قلتُ : هذا هو الأصلُ وكلُّ ما عداه ظلمٌ واعتداء وإساءة و...وكفرانٌ للنعمة وللعشيـر و... وتعثرٌ وشذوذ ولجاجةٌ للجهل والعياذ بالله تعالى.
إنني أقول دوما -باستمرار ومن سنوات- للتلاميذ الذين يدرسون عندي ( في ثانوية مختلطة للأسف الشديد) : "إن الذكورَ كثيرون , ولكن الرجال قليلون ( في هذا الزمان وفي كل زمان تقريبا). وإن الواحدَ منكم لن يكون رجلا إلا إذا حرص على أن يدافع عن المرأة –كل امرأة- كأنها أختُـه بالضبط. إذا وجدَ الواحد منكم في يوم ما "رجلا ساقطا" يريدُ أن يعتدي على إحدى زميلاته في الثانوية (أو على أية امرأة أخرى) ,فإن عليه أن يأخذَ عصا أو سكينا أو...ويقول للآخر :"تفضل ! إنك لن تصل إليها بإذن الله إلا على جثتي !". إذا حرصتَ أيها التلميذ (وأيها الذَّكر بشكل عام ) على شرف المرأة وحيائها وعفتها ,كما تحرص على شرف وحياء وعفة أختك , وبالشكل الذي ذكرتُ فعندئذ وعندئذ فقط أنتَ تستحقُّ أن تكون رجلا وممن قال الله فيهم"من المؤمنين رجال.." , وإلا فأنت ذكرٌ ولكنكَ لستَ رجلا للأسف الشديد.
وقبل أن أكتب الأبيات الآتية عن "قلب الأم" أقول :
الأبيات قصة رمزية ولكنها معبرة جدا جدا جدا , وملخصُها أن شابا اشتاق إلى الحلوى وليس له مال ليشتريها , فطلب منه تاجرٌ قلبَ أمه ليحققَ له غرضَه من المال والحلوى. انطلق الشابُ فقتل أمَّه وأخذ قلبَها ثم عاد إلى التاجر مسرعا. تعثَّرَ الولدُ في الطريق فسقط وسقط معه قلبُ الأمِّ. ناداه قلبُ الأم"ولدي , حبيبي هل أصابك من ضرر !؟". ندم الولدُ حينئذ أشدَّ الندم ورأى أنه لا يصلح لنفسه الشريرة- وهو يرى أن الأم مازالت تحرص على حياته ,في حين أنه هو منع عنها الحياة- إلا الانتقام منها وقتلها , فعزم على الانتحار.ولما أراد أن يقتلَ نفسَه ناداه قلبُ الأم ثانية" ولدي , حبيبي , لا تقتلني مرتة ثانية : الأولى حين قتلتني حقيقة , والثانية حين أردتَ أن تقتل نفسَك لأنك أغلى عندي من نفسي!!!".
ثم أقول : صدقوني أو لا تصدقوني : أنا كلما قرأتُ هذه الأبيات من سنوات وسنوات أبكي مرة وأمنع نفسي من البكاء مرة ثانية. وأنا أدعو كل من يقرأ هذه الأبيات :
ا-إعرف أمَّك قبل أن تصبح أبا واعرفي أمكِ قبل أن تصبحي أما , واعرف أمَّك قبل أن تموتَ أمُّك
واعرفي أمَّكِ قبل أن تموتَ أمُّكِ.
ب-أما إن كانت الأم ميتة فاحرص دوما (أنتَ أو أنتِ ) على التصدق عليها باستمرار –في حدود الإمكان- والدعاء لها وللأب باستمرار بمثل قولنا "رب اغفر لهما وارحمهما كما ربياني صغيرا".
وفيما يلي هذه الأبيات الرائعة جدا لإبراهيم بن ميخائيل المنذر"لبناني":
أغـرى امـرؤٌ يـوما غُـلامـا جـاهـلا بـنـقودِه حتى يـنـالَ به الـوطَـرَ
قال : ائـتـني بِـفـؤادِ أمِّـكَ يـا فـتـى ولـكَ الجواهـرُ والـدراهمُ والـدُّرَرُ
فَـمَـضى وأغْـرَزَ خِـنـْجَـرا في صَدرِهـا والـقلبَ أخرجَـهُ وعـادَ على الأثَـرِ
لـكـنَّـهُ مـن فَـرطِ سـرعـتِـهِ هـوى فتـدحـرجَ القـلبُ المُـُعَفـَّرُ إذْ عَثَرَ
نــاداهُ قـلـبُ الأمِّ وهـوَ مُـعَـفَّــرٌ "ولدي , حبيبي !هل أصابك من ضرر؟!"
فـكـأَنَّمـا هـذا الصَّـوتَ رغْـمَ حُنُـوِّهِِ غَضَـبُ السمـاءِ على الوليـدِ قَد انهمرَ
فـَدَرى فَضـيـعَ خِـيـانـَة لمْ يـأْتـِهـا ولـدٌ سِـواهُ مـنـذُ تـاريـخِ البشرِ
وارتـدَّ نحوَ القـلـبِ يـَغْـسِـلُـهُ بـِمـا فاضَـتْ بـه عـينـاهُ منْ سيلِ العبـَر
ويـقـولُ :يـا قـلـبُ انـتـقِمْ منـي ولا تغـفِرْ فإن جريـمتي لا تُـغـتَـفَـر
واسـتـلَّ خِـنجَـرَهُ ليـطـعـنَ صـدرهُ حَنَـقـا ويـَبـْقى عِبـرة لِمن اعْتـَبَر
نـاداهُ قــلـبُ الأمِّ : "قـفْ ولـدي ولا تَطْـعَـنْ فُـؤادي مرَّتيـنِ على الأثـرِ".
والله ورسوله أعلم.
الله أكبر ثم الله أكبر , اللهم ارحم أمهاتنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض "عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك", -آمين